الاحتلال الإسرائيلي- حرب مستمرة بدعم دولي وإفلات من العقاب
المؤلف: محمد مفتي10.06.2025

منذ ما يناهز ثمانية عقود، ومنذ اللحظة التي وطئت فيها قدم الاحتلال الإسرائيلي الأراضي الفلسطينية، اتخذت إسرائيل من الصراع المسلح نهجًا راسخًا في تعاملها مع العرب، وبشكل أخص مع الشعب الفلسطيني. فمنذ اللحظات الأولى لوجودها المشؤوم في قلب العالم العربي، لم تتوان إسرائيل يومًا واحدًا عن إثارة حفيظة الفلسطينيين واستفزازهم بكل السبل الخبيثة، وذلك من خلال التوسع المستمر على حساب الأراضي العربية، والانقضاض عليها قطعة تلو الأخرى، أو من خلال استغلالها لكل سانحة، بل واختلاقها للفرص الوهمية، لإراقة دمائهم الزكية، وقصف منازلهم الآمنة، وتشريدهم من ديارهم، وهدم بيوتهم فوق رؤوسهم، واعتقالهم وزجهم في غياهب السجون، وإبعادهم قسرًا عن وطنهم وأحبابهم.
خلال الحروب العديدة التي خاضها العرب ببسالة ضد الكيان الإسرائيلي الغاصب، سعيًا لاستعادة أراضيهم المسلوبة ووقف العدوان الإسرائيلي المستمر، كانت إسرائيل تجد لذة شيطانية ونشوة لا تخفى على أحد في إراقة الدماء العربية بغزارة، بل وحتى غير العربية في بعض الأحيان. فكانت لا تتورع عن قتل الأسرى الذين رفعوا الرايات البيضاء طلبًا للاستسلام، ضاربة بعرض الحائط كافة المواثيق والعهود الدولية التي تحمي حقوق أسرى الحرب، فإسرائيل كانت ولا تزال تتمتع بحصانة مطلقة، ولا تجد من يردعها أو يحاسبها على أفعالها الشنيعة، فهي مستثناة من كافة القوانين الدولية، ومعفاة من جميع التقاليد والأعراف السياسية، فهي بمثابة الطفل المدلل للولايات المتحدة الأمريكية، ومن يجرؤ على انتقادها أو توجيه اللوم إليها، يقع تحت طائلة الولايات المتحدة القوية، ويتم تهميشه ونبذه من قبل المجتمع الدولي.
مما لا شك فيه أن مقولة "من أمن العقاب أساء الأدب" تعد قاعدة ذهبية تصلح للتطبيق في عالم السياسة أيضًا، فمن يأمن ملاحقة المجتمع الدولي، ويضمن الدعم اللامحدود من الولايات المتحدة والمجتمع الغربي، فإنه سيسيء التصرف ويتجاوز كل الحدود، ويسعى لنهب الأراضي وقتل الأبرياء وطردهم من ديارهم التاريخية. فعلى مدار تاريخ الوجود الإسرائيلي، كانت أقصى عقوبة يتم توجيهها لإسرائيل هي مجرد الإدانة، وسرعان ما تجد هذه الإدانات طريقها إلى أقرب سلة مهملات لأي رئيس وزراء إسرائيلي، فالسياسة الإسرائيلية الدموية المعادية للعرب ثابتة لا تتغير، والاستخفاف والاستهزاء بالمجتمع الدولي وقراراته سياسة رسمية معتمدة بين كافة رؤساء وزعماء إسرائيل المتعاقبين.
ومن المؤسف حقًا أنه لا توجد جهة واحدة في العالم قادرة على لجم الممارسات الإسرائيلية الهمجية، بما في ذلك المنظمات الدولية ذاتها، والتي تتعرض بدورها لعقوبات أمريكية قاسية، حال تجرؤها على انتقاد إسرائيل. بل إن بعض مسؤولي هذه المنظمات كثيرًا ما يقتلون في ظروف غامضة ومريبة، أو تتم محاصرتهم ومعاقبتهم بشتى الطرق والأساليب الملتوية. ولعل العقوبات الأمريكية التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على المحكمة الجنائية الدولية مؤخرًا، بسبب قراراتها المتعلقة بإسرائيل، لهي نموذج بسيط للدعم المطلق الذي يمنح قادة إسرائيل حرية التصرف والعبث كيفما ووقتما شاءوا.
من الواضح والجلي أن القرارات الاستعلائية التي تتخذها الولايات المتحدة تشجع إسرائيل على المزيد من خوض المعارك والنزاعات مع الدول العربية، فبين الحين والآخر يندلع صراع مسلح بين إسرائيل وبين الفلسطينيين العزل في غزة أو جنين أو رام الله، أو على الحدود مع لبنان أو سوريا، وتعود إسرائيل إلى نهجها الدموي لتغرق في إراقة الدماء العربية دون أدنى اكتراث أو وخز من ضمير، ثم يتوقف الصراع مؤقتًا قبل أن يشتعل مرة أخرى، وخلال هذه الفترة الوجيزة من الهدوء الزائف، تتصدر الفرحة عناوين الأخبار العربية، معلنة أن الحرب قد انتهت، وأنه قد حان الوقت للعرب أن ينعموا بلحظات من السعادة والانتصار المزعوم.
غير أنه سرعان ما تعود إسرائيل إلى استفزازاتها المتكررة، وتبدأ من جديد سلسلة الاعتداءات والتحرشات بالمقدسات الإسلامية والعربية، والسعي الدؤوب للانقضاض على المزيد من الأراضي العربية. ويعود المستوطنون الإسرائيليون إلى غيهم القديم، محاولين قنص العرب والتعدي عليهم وعلى ممتلكاتهم وأراضيهم، ويعود الجيش الإسرائيلي ليقدم الدعم الكامل للمستوطنين في اعتداءاتهم الوحشية على الفلسطينيين بقسوة ودموية، فتنطلق شرارة الصراع مرة أخرى، لتعيد ما تم بناؤه إلى حطام وركام كما كان في السابق، ويعود الفلسطينيون الأبرياء ليعيشوا مرة أخرى داخل الخيام البالية الممزقة التي لا تقيهم حرارة الصيف اللاهب ولا تمنع عنهم صقيع الشتاء القارس.
قبل أيام قليلة خرجت إسرائيل بتصريح وقح، معلنة أنها ستحتفظ باحتلالها لبعض الأراضي في الجنوب السوري إلى أجل غير مسمى، وهي تهدد وتتوعد الحكومة السورية الجديدة بأشد العقوبات وأفظع العواقب، إذا تجرأت على مقاومة هذا الاحتلال البغيض. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح الآن هو: إلى متى سيستمر هذا الاستفزاز المتواصل؟ ولعل الإجابة على هذا السؤال تقودنا إلى الإستراتيجية الخبيثة التي وضعها في سبعينات القرن الماضي عراب العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، هنري كيسنجر، والذي كان يعتقد جازمًا أن السلام بين العرب وإسرائيل يعني فقدان الولايات المتحدة لنفوذها وسيطرتها في منطقة الشرق الأوسط الحيوية، فلمن ستبيع الولايات المتحدة صادراتها من الأسلحة الفتاكة إذا عم السلام أرجاء المنطقة؟ وكيف ستتمكن من إجبار العرب على السير في فلكها والرضوخ لأوامرها إذا ساد الهدوء والاستقرار بين الجميع؟ فالولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي يلجأ إليها العرب لكي تمنع إسرائيل من عدوانها الدموي المستمر، فهل علينا أن نفرح حقًا إذا توقفت الحرب في غزة، أم أن هناك فصولًا أخرى من المأساة قد يحملها لنا المستقبل القريب؟
خلال الحروب العديدة التي خاضها العرب ببسالة ضد الكيان الإسرائيلي الغاصب، سعيًا لاستعادة أراضيهم المسلوبة ووقف العدوان الإسرائيلي المستمر، كانت إسرائيل تجد لذة شيطانية ونشوة لا تخفى على أحد في إراقة الدماء العربية بغزارة، بل وحتى غير العربية في بعض الأحيان. فكانت لا تتورع عن قتل الأسرى الذين رفعوا الرايات البيضاء طلبًا للاستسلام، ضاربة بعرض الحائط كافة المواثيق والعهود الدولية التي تحمي حقوق أسرى الحرب، فإسرائيل كانت ولا تزال تتمتع بحصانة مطلقة، ولا تجد من يردعها أو يحاسبها على أفعالها الشنيعة، فهي مستثناة من كافة القوانين الدولية، ومعفاة من جميع التقاليد والأعراف السياسية، فهي بمثابة الطفل المدلل للولايات المتحدة الأمريكية، ومن يجرؤ على انتقادها أو توجيه اللوم إليها، يقع تحت طائلة الولايات المتحدة القوية، ويتم تهميشه ونبذه من قبل المجتمع الدولي.
مما لا شك فيه أن مقولة "من أمن العقاب أساء الأدب" تعد قاعدة ذهبية تصلح للتطبيق في عالم السياسة أيضًا، فمن يأمن ملاحقة المجتمع الدولي، ويضمن الدعم اللامحدود من الولايات المتحدة والمجتمع الغربي، فإنه سيسيء التصرف ويتجاوز كل الحدود، ويسعى لنهب الأراضي وقتل الأبرياء وطردهم من ديارهم التاريخية. فعلى مدار تاريخ الوجود الإسرائيلي، كانت أقصى عقوبة يتم توجيهها لإسرائيل هي مجرد الإدانة، وسرعان ما تجد هذه الإدانات طريقها إلى أقرب سلة مهملات لأي رئيس وزراء إسرائيلي، فالسياسة الإسرائيلية الدموية المعادية للعرب ثابتة لا تتغير، والاستخفاف والاستهزاء بالمجتمع الدولي وقراراته سياسة رسمية معتمدة بين كافة رؤساء وزعماء إسرائيل المتعاقبين.
ومن المؤسف حقًا أنه لا توجد جهة واحدة في العالم قادرة على لجم الممارسات الإسرائيلية الهمجية، بما في ذلك المنظمات الدولية ذاتها، والتي تتعرض بدورها لعقوبات أمريكية قاسية، حال تجرؤها على انتقاد إسرائيل. بل إن بعض مسؤولي هذه المنظمات كثيرًا ما يقتلون في ظروف غامضة ومريبة، أو تتم محاصرتهم ومعاقبتهم بشتى الطرق والأساليب الملتوية. ولعل العقوبات الأمريكية التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على المحكمة الجنائية الدولية مؤخرًا، بسبب قراراتها المتعلقة بإسرائيل، لهي نموذج بسيط للدعم المطلق الذي يمنح قادة إسرائيل حرية التصرف والعبث كيفما ووقتما شاءوا.
من الواضح والجلي أن القرارات الاستعلائية التي تتخذها الولايات المتحدة تشجع إسرائيل على المزيد من خوض المعارك والنزاعات مع الدول العربية، فبين الحين والآخر يندلع صراع مسلح بين إسرائيل وبين الفلسطينيين العزل في غزة أو جنين أو رام الله، أو على الحدود مع لبنان أو سوريا، وتعود إسرائيل إلى نهجها الدموي لتغرق في إراقة الدماء العربية دون أدنى اكتراث أو وخز من ضمير، ثم يتوقف الصراع مؤقتًا قبل أن يشتعل مرة أخرى، وخلال هذه الفترة الوجيزة من الهدوء الزائف، تتصدر الفرحة عناوين الأخبار العربية، معلنة أن الحرب قد انتهت، وأنه قد حان الوقت للعرب أن ينعموا بلحظات من السعادة والانتصار المزعوم.
غير أنه سرعان ما تعود إسرائيل إلى استفزازاتها المتكررة، وتبدأ من جديد سلسلة الاعتداءات والتحرشات بالمقدسات الإسلامية والعربية، والسعي الدؤوب للانقضاض على المزيد من الأراضي العربية. ويعود المستوطنون الإسرائيليون إلى غيهم القديم، محاولين قنص العرب والتعدي عليهم وعلى ممتلكاتهم وأراضيهم، ويعود الجيش الإسرائيلي ليقدم الدعم الكامل للمستوطنين في اعتداءاتهم الوحشية على الفلسطينيين بقسوة ودموية، فتنطلق شرارة الصراع مرة أخرى، لتعيد ما تم بناؤه إلى حطام وركام كما كان في السابق، ويعود الفلسطينيون الأبرياء ليعيشوا مرة أخرى داخل الخيام البالية الممزقة التي لا تقيهم حرارة الصيف اللاهب ولا تمنع عنهم صقيع الشتاء القارس.
قبل أيام قليلة خرجت إسرائيل بتصريح وقح، معلنة أنها ستحتفظ باحتلالها لبعض الأراضي في الجنوب السوري إلى أجل غير مسمى، وهي تهدد وتتوعد الحكومة السورية الجديدة بأشد العقوبات وأفظع العواقب، إذا تجرأت على مقاومة هذا الاحتلال البغيض. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح الآن هو: إلى متى سيستمر هذا الاستفزاز المتواصل؟ ولعل الإجابة على هذا السؤال تقودنا إلى الإستراتيجية الخبيثة التي وضعها في سبعينات القرن الماضي عراب العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، هنري كيسنجر، والذي كان يعتقد جازمًا أن السلام بين العرب وإسرائيل يعني فقدان الولايات المتحدة لنفوذها وسيطرتها في منطقة الشرق الأوسط الحيوية، فلمن ستبيع الولايات المتحدة صادراتها من الأسلحة الفتاكة إذا عم السلام أرجاء المنطقة؟ وكيف ستتمكن من إجبار العرب على السير في فلكها والرضوخ لأوامرها إذا ساد الهدوء والاستقرار بين الجميع؟ فالولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي يلجأ إليها العرب لكي تمنع إسرائيل من عدوانها الدموي المستمر، فهل علينا أن نفرح حقًا إذا توقفت الحرب في غزة، أم أن هناك فصولًا أخرى من المأساة قد يحملها لنا المستقبل القريب؟